ماذا تفعل الأنظمة العربية بالشيعة والمسيحيين والأقليات؟
أشكر الزميل هاني نقشبندي على مقاله الرائع بعنوان “حسن.. وماذا نفعل بالشيعة إذا؟” الذي نشر في جريدة إيلاف يوم الأربعاء 22 اكتوبر 2015. لقد وضعت أصبعك على الجرح الذي ينزف في الجسد العربي منذ بداية الثمانينيات من القرن المنصرم، حين اعتبرت انظمة الحكم العربية ان كل مواطنيها من الشيعة هم طابور خامس لإيران، وزودتها، بقصد او غير قصد، بوقود اشعلته في ارضنا العربية.
اذكر في هذا الشأن الحوار الذي اجرته قناة العربية مع الرئيس المصري وقتها “حسني مبارك” في الأسبوع الثاني من شهر أبريل 2006، حيث قال الرئيس مبارك: “إن الشيعة يمثلون 65% من سكان العراق، وان ولاء اغلب شيعة المنطقة هو لإيران وليس لدولهم الذين يعيشون فيها”.
اثار ذلك التصريح – الخطير في مغزاه – الذي صدر على لسان رئيس اكبر دولة عربية موجة من الغضب والاستنكار في انحاء الوطن العربي، وبين العرب الموجودين في اقطار اخرى غير عربية. وبالرغم من محاولة المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية تخفيف وقع التصريح وايجاد المبررات التي ادت الى التصريح بمثل هذا الكلام الخطير في ذلك الوقت الحرج، إلا ان العراقيين بكل طوائفهم، والشيعة العرب في انحاء العالم من دون استثناء، اعتبروا ذلك التصريح مهينا لهم وينتقص من وطنيتهم وعروبتهم.
وقتها قمت بالرد على ذلك التصريح – غير الموفق – بمقال عنوانه “لماذا هذا التجني على الشيعة العرب؟” نشر في جريدة اخبار الخليج البحرينية بتاريخ 19 ابريل 2006، قلت فيه:
“في الواقع، الشيعة العرب ليسوا بحاجة الى احد ليدافع عن وطنيتهم وعروبتهم، فالحوادث التاريخية غير البعيدة التي وقعت في بعض البلدان العربية (سواء كان الشيعة يمثلون اغلبية او اقلية) سجلت لهم مواقفهم الوطنية والعروبية التي لا يمكن نسيانها او التنكر لها. فالشيعة في العراق معروف موقفهم الوطني والعروبي منذ تأسيس الدولة الحديثة، ودورهم الكبير في ثورة العشرين ضد الإنجليز.
والشيعة في البحرين وقفوا من دون تردد وبصلابة الى جانب حكامهم العرب من آل خليفة ضد ادعاءات إيران (ايام الشاه) بشأن تبعية البحرين إليها، وثبتوا عروبة البحرين في المحافل الدولية. والشيعة في الكويت وقفوا الى جانب شرعية حكامهم من آل الصباح عندما احتل طاغية العراق (صدام حسين) الكويت في شهر اغسطس من عام 1990، وشاركوا بفاعلية في مقاومة قوات الاحتلال العراقية، ولا يزال آل الصباح يذكرون هذا الموقف الوطني العروبي لمواطنيهم من الشيعة ويثنون عليه في كل مناسبة”.
التشكيك في الولاء للوطن ضد الأقليات في الوطن العربي ليس وليد اليوم، وانما جذوره ترجع الى عام 1948 حينما أجبر اغلب اليهود العرب على مغادرة أوطانهم (مصر، سوريا، العراق، اليمن الخ) الى اسرائيل او الدول الغربية بتهمة عدم الولاء والعمالة للدولة الصهيونية، وكان اغلب هؤلاء من رجال الاعمال واصحاب المهن الراقية. وحدث الشيئ نفسه الى الاخوة المسيحيين في العراق منذ عام 2003 حين زادت الاعتداءات عليهم كأشخاص وعلى كنائسهم، وكذلك في مصر بعد تولي الإخوان الحكم. كيف تريدونهم ان يكونوا موالين بعد اقتلاعهم عنوة من جذورهم، أي من اوطانهم التي ولدوا فيها هم واباؤهم واجدادهم، ومصادرة املاكهم؟ هؤلاء بشر لهم مشاعر واحاسيس، وليسوا ملائكة. رغم هذا الظلم الذي وقع عليهم، انا لا اعتقد انهم فقدوا الولاء لأوطانهم الأصلية.
أما موضوع الولاء واستفحال الطائفية الدينية والاثنية، فكل البلدان العربية من المحيط الى الخليج تعاني من هذه الامراض الاجتماعية، وذلك بسبب اخفاق الحكومات العربية (منذ انتهاء الحقبة الاستعمارية حتى يومنا هذا) في تطبيق وتفعيل مفهوم المواطنة كأساس وركيزة في التعامل والتفاعل بين السلطة والمواطن، وان الحقوق والواجبات متساوية، ولا يوجد تصنيف لمواطن من الدرجة الاولى وآخر من الدرجة الثانية. وحتى هذه اللحظة، لا يخلو بلد عربي من شكوى الأقليات القومية والدينية والاثنية من هضم الحقوق والتضييق والتمييز على اساس القومية والدين والمذهب. لهذا تعاني الدول العربية من العنف، ومخاطر الحروب الأهلية، واحتمالات التقسيم والانفصال، وضعف الولاء للوطن، مقابل التمسك بالولاء للطائفة والقبيلة والعشيرة والمذهب.
كما ان مفهوم “الولاء للوطن” عند اكثر انظمة الحكم العربية معناه الولاء للنظام الحاكم ولو كان مستبدا وفاسدا ومتسلطا وقمعيا، ولا يوجد نظام حكم عربي واحد لم يتهم معارضيه بالخيانة والاستقواء بالخارج.
آخر الكلام: ماذا تفعلون بهم؟ هل ترمونهم في البحر؟ ام تحتضنونهم وتشاركونهم حب الوطن على اساس الأخوة الانسانية، ومبدأ ” الدين لله والوطن للجميع”، هذا الشعار الانساني الذي تبنته الشعوب المتحضرة فارتقت بأوطانها.
فسادنا ودور الدين والدولة!
ورثنا الفرار الفرار.. من المسؤولية. فلا نعترف بها، ونكتفي عند وقوع الخطأ بأن نلقي اللوم على الدولة أولا والآخرون من بعد.
الرصيف المكسور هو خطأ الدولة. الطرقات القذرة هي خطأ الدولة. الصيف الحار والشتاء القارس هما ايضا خطأ الدولة.. الكره الذي يكبر في داخلنا والكذب يعيش في دمنا هو أيضا خطأ الدولة. حسن، لنقل ان الدولة مخطئة وبنت ستة وستين.. وأنها وراء كل مصيبة وعثرة.. أين هو دورنا نحن، أم أننا لا تخطئ؟ من الذي كسر الطرقات والقى القاذورات في الشارع وخرق القانون؟
وهل الدولة هي التي علمتنا ان نكذب ونكره وأن.. وأن.. وأن..؟
سيجيب أحدهم قائلا بأن الشعب ما هو إلا مرآة الدولة. حسن.. لماذا لا تكون الدولة هي مرآة الشعب؟
بناء المجتمع الصالح هو بيد الأسرة لا بيد الدولة.
مسؤولية الدولة ان تعلم أبنائنا القراءة والكتابة والعلوم الأخرى. ان تجعل منهم مهندسين وأطباء وعلماء… لكن تربية الأخلاق فيهم، الخير والصدق والأمانة هي مسؤولية البيت. مسؤولية الأم والأب.
عندما نعلم الطفل بأن لا يلقي القاذورات في الشارع فهذه هي التربية والأخلاق. عندما نعلمه احترام القانون فهذه هي التربية والأخلاق. عندما نعلمه ان لا يكذب، فهذه هي التربية والأخلاق. عندما نعلمه ان لا يكره ولا يحقد، فهذه هي التربية والأخلاق.
أخلاقيات الحياة يتعلمها الطفل من أبويه لا من الدولة ولا من كتب الدين. نكذب ونقول إن اخلاقنا هي الإسلام. نسرق ونقول إن اخلاقنا هي الإسلام. لا.. الإسلام هو مثل الدولة أيضا، الأولى تعلمك القراءة والكتابة، والثاني يعلمك خوف الله. والطفل يخاف من أمه وأبيه اكثر مما يخاف الله الذي لا يعرفه، سواء أكان مسلما او بوذيا. الأخلاق أعظم أثرا من الدين وكتب الدين. ذلك أنها سبقت الأديان في وجودها. والأديان نفسها، استقت قوتها من الأخلاق السابقة لها. وإن أصر أحد بأن الدين وحده هو مصدر الأخلاق، فسأسأله لماذا هي أخلاقياتنا متدنية المستوى ونحن نحمل كل ملائكة السماء على أكتافنا ونضع القرآن فوق رؤوسنا؟. الأخلاق لا ترتبط بالدين. بل بالتربية. نحن نعلم أبنائنا الصلاة. ونجبرهم على الصيام. ونحفظهم القرآن شاؤوا ام أبو. لكننا لا نعلمهم أن الصدق أهم من حفظ القرآن، وأن الأمانة أهم من الصلاة، وأن العفة أهم من الصيام. نؤمن بأن الطفل ان صام وصلى بات صالحا، ولو كذب ونافق. ثم.. وعندما يقع الخطأ لن نقول أننا نحن من أخطأ في التربية بل هي الدولة والجيران، هي الأم أيضا التي أخفقت، وكأن الأب خلق ليكون ثور إنجاب فقط.
اليوم.. واليوم تحديدا.. تملأ الكراهية والحقد فضاءاتنا. فبدل أن نعلم ابنائنا معاني الفضيلة والمحبة، نعلمهم بأن الشيعي كافر. وبأن المسيحي كافر. وبأن كل من يخالفنا الرأي كافر. وقد يفعل الآخرون الشيء ذاته مع أبنائهم. كيف تراه سيكون مستقبل جيل ربيناه على الكره والضغينة؟ ما نفعله الآن.. هو أننا نعلم أبنائنا كيف يتقنون حفر قبورهم بشكل سريع لأن مستقبلهم قد يكون قصيرا ودمويا.
هاني نقشبندي
- Hostages versus Prisoners: Israel war on Gaza is as much a war on weaponizing words - December 1, 2023
- Muslim American woman challenges unresponsive Congressman Sean Casten in March 19 Democratic primary - November 21, 2023
- More than 50 journalists killed in Israel-Gaza war - November 21, 2023